جريدة وجـــــــــــــــــــــــدة
  إلى اليونان
 

scan00scan00

من القصر الكبير إلى أثينا

 

بقلم: مصطقى منيغ

 

( الجزء الثاني)

 

الصورة : مصطفى منيغ من مدينة القصر الكبير في شمال المغرب

 

الصورة : مصطفى منيغ في مدينة أثينا عاصمة اليونان يتصفح جريدة الشعب التي قام بطبعها هناك بالديار الإغريقية أواسط الثمانينات

 

      لازمني الغضب ساعة أنستني صقيع تلك الليلة من شتاء باريس  (المدينة / الدولة ) . كانت أفكاري مشوشة لدرجة لم أسمع اصطكاك عوارضي ، والحذاء الذي رافق قدماي طوال المشي بلا هدف أو عنوان أنتهي إليه ، هو الآخر لم انتبه للصوت المنبعث منه مع كل خطوة أخطوها على حيد طريق ممتد امتداد هذا الأسف الصارخ به وجهي بكل خلايا قسماته  قبل حنجرتي المبللة بما تسرب إليها من قطرات تجود بها علياء لم تحجب غيومها الكثيفة استعداد جسد هذا الكيان " الإسمنتي " الفرنسي  الذي أرغمه نهر  " السين" أن يتجزأ لنصفين . العامل مألوف والبنيات التحتية مهيأة لامتصاص كل السائل الهاطل بكميات لا تحصى من المليمترات المكعبة فوق المتر الواحد ، ما دام المشيد لها صاحب ضمير ، يكتفي براتبه الشهري مهما كبر حجم مسؤوليات المنصب الذي يشغله ، عكس ما تراقصت أمامي من رؤى ، والشيخ الوقور " القصر الكبير " وقد غطى كل شبر فيه ما يصل ربع الهاطل هنا من غيث ، بل يسبح ساعتئذ في ملايير الأمتار المكعبة من مياه الأمطار المتجمعة في فوضى عارمة تأتي، في هيجانها،على كل دار ، كبر شأن أصحابها أم صغر ، إذ لا تتصاعد غير صيحات الاستغاثة هنا وهنا ولا أحد يتدخل ، فهي أوقات تذكر الناس جميعهم أنهم وجزئيات القش سواء ، لا منفذ لهم إلا مع فتور هذا السيل وانحداره عبر خطوط حفرها في عمق الثرى من ملايين السنين، والأهالي حيارى بين إنقاذ أرواحهم من الغرق وبين عيالهم من الضياع ، و الأثاث القليل الذين ضحوا من أجل اكتسابه عربونا على نجاحهم.. حيارى داخل هذا الحيز المغتصب ذات يوم من طرف " إسبان " استرخوا  على روابيه العالية يتفرجون على (لوس موروس) وهم يتخبطون في منظر يثير ضحكاتهم . وحتى بعد الاستقلال تتكرر نفس المآسي حينما يغضب هذا " الوادي"  فيجرع السكان  المكدسين على مقربة منه مرارة الحنظل الممزوج بدموع العجزة من الرجال والأرامل  من النساء ، وأطفال " دار الخيرية " ، وكل الفقراء.                         

     بصراحة ، رغم الفضاء من حولي شاسع ، لم يستطع إخراجي من ضيق سيطر على حواسي تلك الآونة المحفورة بكل تفاصيلها في ذاكرتي ، ولم يسعفني سوى الانتقال مع الخيال إلى المدينة التي علمتني كيفية عدم الارتباك وأنا أواجه من يخونني ، وابتسمت حينما تصور لي الأستاذ المرحوم أحمد السوسي الذي تتلمذت على يديه ، رفقة العشرات من الإخوة والأخوات احتضننا معا المعهد المحمدي ( القائم داخل ثكنة عسكرية ورثتها مدينة القصر الكبير عن المحتلين الإسبان، وقد أضيفت لها بعض الإصلاحات لتلائم مؤسسة تعليمية ) خلال مرحلة التعليم الثانوي، من السنة الأولى إلى الحصول على شهادة الدروس الثانوية (البروفي/ الوضع الجديد) .. تشخص الرجل حيالي واقفا على قاعدة ثنائية لنصب تذكاري صغير وضع بعناية داخل حديقة ( تتلاعب قطرات المطر بوريقات زهور شديدة الجمال والرونق زرعت هناك لإدخال الدفء بين جوانح المتمتعين برؤيتها تصارع البقاء صامدة على سيقانها رغم حدة الاصطدام ) وهو يردد :

     ـــ ما لكم تكأكاتم علي كتلكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني .       

    وعندما ينتهي من إلقاء هذه الجملة المأخوذة من تراث قريش ، يطلب من الزميل " أحمد بريطل" أن يعيد تلاوتها من كراسته ، فأن نجح في ذلك أهداه 25 سنتيما ( لا تتعجبوا المبلغ كان محترما ساعتها ، يستطيع مالكه شراء نصف خبزة محشوة بكمية محترمة من لحم سمك " التونة " المصبر) . كان الفقيه يعلم مسبقا أن صديقي ذاك لن يجيد قراءة نفس الجملة فتخلى عنه وتوجه صوبي موجها لي حديثه :                         

      ـــ حاول يا مصطفى أن تعلم صديقك قراءة الشعر وتزرع فيه نفس الطموح الذي أراه قادرا أن ينقلك بعيدا جدا.  

     ... طبعا أفقت من غفوتي على كلمتي " بعيدا جدا " لأعاود التفكير في هذا " البعد " الذي وصلت إليه ، حيث ساقتني الأقدار إلى عاصمة الفرنسيين "باريس"، لاحيا هذه الأثناء وحيدا واستنبط من كلام الفقيه أحمد السوسي رحمه الله ما أراد أن ينبهني إلى ما معناه:                           

     ما القائدة في التطلع إلى خدمة الآخرين ، ما دام الآخرون يتطلعون إلى خدمتك . إن كان المرء وما تهيأ له من قدرات فكرية تعينه للانتقال بما ينتجه إلى اكتساب القوة المادية، فما الداعي للانزواء في هذه الحديقة ؟..                                     

       إذن ومباشرة إلى طرق باب بلاط صاحبة الجلالة " الصحافة" وليكن الموعد / الحدث فوق ارض أرسطو وأفلاطون ..اليونان . 

                    (يتبع)  

 
  Aujourd'hui sont déjà 19548 visiteurs (29126 hits) Ici!  
 
---------- Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement