جريدة وجـــــــــــــــــــــــدة
  نحن واسبانيا
 

نسينا نحن واسبانيا

بقلم مصطفى منيغ

كان لنا التاريخ المشترك قبل أن يتوقف حينما أترفت الجارة النعمة فتخيلتنا نقمة، وتلك شيم الحاكمين بالخروج عن النص الأصلي وقد كنا فيه الأسياد نعلمها حروف الحكمة وحرف صيانة الكرامة، وهكذا النسيان بالألباب يصنع، متى أحست البطون بالشبع، على الأقل بالنسبة لها، وقتها صادها الغرور، فأقبلت تفتح نوافذ الحقائق المرة على نفسها، لسنا كما شرحوا لها، إطلاقا لا نشبه ذلك، أما هي فنحن أدرى بها أكثر مما تتصور. درسنا في قعر دارها .. هناك في مدريد ( في الوسط) ،  و سان سيبستيان (في الشمال الشرقي)،  وغرناطة و إشبيلية و طليطلة و وكل إقليم الأندلس دون استثناء،ونطقنا بلسانها شعرا بدل أن نتحدث به للتفاهم بيننا وحسب، ورفعنا البنادق ودافعنا عن كرامتنا حينما كانت حربها الداخلية تقتل البشر جوعا إن لم يقتلهم الرصاص . أجل هم الإسبان حفدة الحاليين قتل الجوع منهم ما قتل . أعرف شخصيا حراسا لفرانكو كانوا، هم مغاربة انتقلوا من مدينتي القصر الكبير و تطوان ، وأيضا هم العشرات ممن لا زالوا على قيد الحياة بالمدن الشمالية للمغرب ، انتقلوا للضفة الأيبيرية مجندين للدفاع صحبة فرانكو عن اسبانيا دولة وشعبا ، أحرزوا على أعلى مراتب الجيش الإسباني  ، ولهم في نفس المعارك التي خاضوها هناك صولات وجولات ، أعتقد أن أهال الجارة لم يعودو عل بينة من أمرها بعامل الزمن وموجة التزييف والافتراء الإعلامي الممول من لوبيات لا تعمل لاستقرار العلاقات المغربية الإسبانية على ميزان التعاون الأخوي النظيف ، ولا زال هؤلاء الأبطال المغاربة الذين منحوا من دمهم ما يجعل اسبانيا غير قادرة على التنكر لفضلهم عليها ومساعدتهم لها ، وهم على استعداد حتى اللحظة لتذكير الجارة بتاريخها الحقيقي الذي بدأت تتملص من الجزء الذي يربطها بالمغرب انطلاقا من أوائل السبعينات بالغا الذروة وقتما تميعت اللقاءات المتكررة بين مسؤولين من حكومة الأندلس وبين أشخاص من تطوان، أو من أصل تطواني معدودين على رؤوس الأصابع ، تلك اللقاءات المسماة تارة بالثقافية وأخرى بالتنسيق لمسايرة برامج ترميم واجهات ما تركته إسبانيا المحتلة من عقارات حي سكني وتجاري في عاصمة الشمال ، وأيضا للثرثرة السياسية الإسبانية المغربية القائمة بين الطرفين المذكورين ، أشهرها ما انتهت إليه المباحثات بين حزبي الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي ، والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني ، بوضع أسس برنامج موحد لا يترك لغير الاشتراكيين أي فرصة لإبداع أي تعاون مهما كانت أهميته ، عملا على إبقاء سيطرة الإيديولوجية الاشتراكية وصولا للتحكم في سياسات تبني فوقها الاشتراكية المعنية نجاحاتها المستقبلية وفي مجالات عدة لا داعي لتفصيلها الآن .                                             

     كثيرا ما وضحت وجهة نظري لهؤلاء الإخوة في تطوان ، الذين ظنوا أن التقرب من حكومة الأندلس بالشكل والأسلوب الذي اعتمدوه سيجعل المغرب يوفر على نفسه عناء التركيز في هذا المحور الإيبيري بما يحمي مصالحه الحيوية عبر المستجدات كيفما كان نوعها ومهما كان حجمها . وهاأنذا اعتز بما شرحته لهم وقتئذ ، فقد وقع ما تصورته تلك الأثناء بنفس الحجم والقوة ، لكن هو الاندفاع المعزز بامتلاك النفوذ ، وحق صرف ميزانية المجلس البلدي الواحد ، ثم المجلسين المتفرعين عنه بحكم ما أطلق عليه ساعتها التقسيم الإداري الجديد ، مجلس بلدية الأزهر ، ومجلس بلدية سيدي ألمنظري، من مهد لهؤلاء لتكريس أفكارهم المنحازة للاشتراكيين المحليين دون سواهم ، فكانت النتيجة أن أغلقوا أبواب مكاتبهم على ما اقترحت عليهم شخصيا دراسته من محاور ثلاثة :                              

   المحور الأول : ويتعلق بتوسيع النشاط الثقافي والإعلامي المنطلق من تطوان ليشمل اسبانيا كلها وليس إقليما واحدا ، وأن يكون هذا النشاط قائما على التعاون بيننا و الإسبان كشعبين متقاربين في التاريخ  والجوار ، لا يفصل بينهما سوى مضيق جبل طارق الممتد بين الضفتين لمسافة 14 كيلومتر فقط ، وليس كحزبين (الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني )لأسباب لا داعي لشرحها فهي معروفة .                                   

   المحور الثاني : أن نبتدع برامج إعلامية باللغتين العربية والإسبانية منطلقة أولا من إذاعة تطوان الجهوية ، ثم من صحفنا المحلية  ( ومنها جريدة تطوان التي أسستها في تطوان ) والعناية بتوزيعها على أوسع نطاق داخل التراب الإسباني ، حتى تترسخ ، بما يذاع وينشر، في الأذهان: أن العلاقة بيننا أسمى من ترخيص الصيد الممنوح من طرف المغرب لفائدة صيادي إقليم الأندلس ، وأكبر من صدقة تقذف بها حكومة الأندلس لترميم بعض العقارات المشيدة من طرف إسبانيا الاستعمارية والكائنة بجماعتي سيدي ألمنظري والأزهر من تطوان الكبرى ، بل تذهب العلاقات الأخوية في زحفها الموضوعي إلى فسح المجال لكل استثمار مشترك يهدف إلى إقامة مشاريع تختص بميدان الإعلام والتواصل بكلتا البلدين(المغرب واسبانيا) وغرفة تطوان للتجارة والصناعة مؤهلة لتلعب دورا طلائعيا في هذا المضمار .                     

     المحور الثالث : ويعطي التبريرات الكافية حتى تقلل المجالس المنتخبة المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط التابعة لأقاليم الناظور ، و الحسيمة ، و شفشاون ، و تطوان ، و طنجة ، و أخيرا لإقليم العرائش ، أن تقلل من تكديس طلبات التوأمة بينها وبين مدينة اسبانية واحدة أو ثلاث على الأكثر ، و أن تعمل تلك المجالس وفق برنامج مخطط دقيق ومنطقي للابتعاد عن نظرة تعجب أصبح الإسبان ينظرون بها إلى الديمقراطية عندنا وقد تميعت لدرجة عادت الكفتان في ميزان التعاون تختلف إحداهما عن الأخرى ، فبينما بدت الكفة الإسبانية مستديرة الشكل اتخذت الكفة المغربية الشكل المربع ، وفي ذلك أكثر من معنى وأزيد من ظاهرة .                        ــ يتبع ــ

                                           ---

نسينا نحن واسبانيا / الجزء الثاني

 

تطوان بين الإسبان والأمريكان

 

كتب : مصطفى منيغ

 

    ــ قد تلقي أروبا بالقشور نحونا ، بقايا أطعمة فاسدة ، كتلك الملقاة في صنارة للسمك كي يصطاد ويستخرج ليؤكل هو يدوره بدل بحثه عن الأكل ، فنتوهم أن الاستثمار الصحيح آت ، واقتلاع " العشب الملعون" يقابله عرس من التعويضات ،  فينقلب الأسى إلى حبور ومسرات ، ويتكلم الإعلام بما لنا وبما ليس لنا ، بما علينا وبما ظن أنه بالتأكيد علينا . تمر الأعوام فيخفت ما ادعته الخطابات الموسمية من معسول الكلام، وتستيقظ شهرزاد المسكينة من عوالم التمني والأحلام، لتجد نفسها كحليمة ليس في دارها القديمة وإنما نملة في فم ضرغام.

ــــــــــــــــ مصطفى منيغ ــــــ

     أن يكون التعامل مبنيا على تبادل المصالح المتخذة توجها جديدا لضمان الاستفادة الواسعة من نجاح طرف حقق ما حققه من نجاح ، فهو تعامل طبيعي إن لم يقارن في أي مرحلة من مراحله بالشك والريبة والاستغلال المقصود، هو تعامل طبيعي قياسا لما تقتضيه ظروف التطور الفكري لأجناس توحدها النظرة الحقيقية لإنسانية البشر القائمة على التضامن و التساكن والتعايش والتعاون لقطع فصول حياة كلما تقدم بها الزمن ازدادت تعقيدا .

    بالرجوع إلى التاريخ نجد تطوان أقرب اجتماعيا وحضاريا إلى اسبانيا منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، هذا لا يعني أنها لا تزال تتقاسم والجارة الإيبيرية نفس المعيار ونحن نتحدث عن أي نوع من الاستفادة والمشروعة بين الطرفين . فحينما نجد إسبانيا تقتلع، على امتداد قرون، الاطمئنان من قلب " الحمامة البيضاء " فتسحق بذلك تطلع وطموحات هذه المدينة إلى الازدهار المؤسس على استغلال كل ثغورها الملتصقة بها التصاق اللحم بالجلد وخاصة مدينة سبتة وما تخلل هذا الملف من حيف لم يشهد العالم مثيلا له ، وحينما نجد الدولة الإيبيرية وهي تعايش بعد رحيل فرانكو أسلوبا تدبيريا مغايرا تماما تبني به معالم مصالحها الذاتية دون التفكير في إرجاع حقوق الغير المشروعة إلى أصحابها الشرعيين الذين نزعوا استقلالهم عن التسلط الإسباني بالتضحيات الجسام التي لا زالت الذاكرة المغربية محتفظة بكل تفاصيلها ، وحينما تتجه بلد سيرفانطيس و كلديرون دي لا باركا إلى الاكتفاء بما تبسطه حكومة شافيس على المسماة عندهم شقيقة غرناطة الصغرى ، كفسح المجال لترميم بعض الدور داخل المدينة العتيقة لتطوان زمان ، أو فتح المجال للتحاور بالحضور المكرر لقلة من مواطني شمال الوطن دون سواهم ، مشخصة في بعضالأسماء المعروفة المتطوعة لخدمة محاسن إسبانيا الديمقراطية ورؤاها مهما كان المجال المعني سياحيا أو إعلاميا أو تجاريا صرفا . حينما نلاحظ تلك المحاور الأساسية  وغيرها كثير نتيقن أن اللوبي الإسباني المشكل من تلك القلة المذكورة لم يستطع الصمود حيال ما عرى عنه الزمن لتبدو نهايات منطقية لمجمل الأمور التي كان مفروضا أن تشكل الاستفادة الطبيعية لتعامل متواصل  ، وهذا يضع حدا لأي إستراتيجية تسهل تمكين الثقة لتهيمن من جديد على تطلعات كلتا الطرفين إن كنا قادرين على التعبير بما خلص إليه تحليلنا العلمي الأكاديمي البعيد عن الحشو أو المزايدة على عنصر دون سواه القريب عما تلزمنا به قناعة الحياد في مثل هذه القضايا الحساسة والهامة دون الإنجراف خلف عاطفة لا تجدي نفعا ولا تخدم مصلحة حتى الذاتية منها ، النهايات المنطقية المشار إليها لم تتوطد عن تلقائية أو صدفة، إنما عي نتائج أدركتها الوضعية الحالية بعد سلسلة من الاعتبارات كان أولها إهمال جيل ما بعد الاستقلال للغة الإسبانية إهمالا استغلته الفرنسية لتزحف في اجتياح قوي لمدينة تطوان معقل الثقافة الإسبانية إبان مرحلة الاستعمار لتحقق ، هذه الفرنسية ، بما سبقها من مظاهر دعائية.. تقبلها من طرف طلبة الثانويات باختيارهم لها كمادة أساسية يربطونها وحلمهم المستقبلي مع الوظائف التي توصلهم إياها تخصصاتهم الدراسية ، وقع هذا والسلطات العمومية الإسبانية لا زالت لها عيون وآذان داخل تطوان ، فاختارت التخلي عن لغتها بتخليها مكرهة لشمال المغرب ، فكان آخر فوج كون تكوينا قويا باللغة الإسبانية ذاك الفوج الذي عرفته (جابر بن حيان حاليا ) هذه المؤسسة التعليمية الهامة التي كان يديرها الأستاذ محمد الخطيب وكان جل أساتذتها من الإسبان  باستثناء محمد الصوردو رحمه الله، ومحمد المرابط ، الكاتب العام المحلي لنقابة الإتحاد المغربي للشغل في تطوان ، الأول كان يدرس اللغة العربية نحوا وأدبا ، والثاني الفلسفة بعد عودته مباشرة من الديار المصرية حيث كان يدرس هناك ، طبعا جلبت المؤسسة بعد رحيل الإسبان  بعض الأساتذة  من مصر والجزائر الشقيقتين قبل إدماجها كليا في النظام التعليمي الرسمي للمغرب المستقل . وحتى ما نراه من مؤسسات تعليمية متواضعة تابعة في جوهرها إلى مناهج اسبانية  رسمية ، إنما لإبقاء إعلان خافت عن مرور تلك الدولة بهذه الديار ومحاولة رفض فكرة التملص من ربط أسباب لتواصل يتمخض عنه تعاون إيجابي يتابع ويساهم في تحريك عجلة النماء الفكري والتطور الحضاري المبني على توجهات المغرب ، وأيضا لاستثمار ذاك " الإبقاء " كلما فكرت إسبانيا الرسمية في تمرير مطلب ترسخ بواسطته رؤاها الإستراتيجية البعيدة صراحة عن مصالح المغرب الراهنة جملة وتفصيلا ، ثمة الكثير مما يمكن قوله لو كان موضوعنا يهتم الآونة بهذه النقطة نفسها، كما هناك السخط الدفين الآخذ في الاتساع والانتشار والمغاربة يعانون يوميا الويلات وهم يتجهون إلى سبتة أو عائدون منها   ، السخط على هؤلاء الذين اعتقدوا أن إذلالهم لمن أرغم على بحث قوته بتعاطيه تلك الحرفة المشينة " التهريب " سيحميهم مستقبلا مما سيقع إن آجلا أو عاجلا بعودة سبتة إلى أصحابها الشرعيين ، ثم النظرة الضيقة التي اعتمدتها اسبانيا الرسمية وهي تخطط لتعاملها الاقتصادي مع تطوان خاصة ، ذاك التخطيط الذي شكل ، عن قصد ، تلك الزاوية التي أرادت بها استغلال تطوان استغلالا يبقيها في منأى عن مطالبة أو تحريك سكانها نحو تحرير شقيقتها سبتة ، ما دامت هذه الأخيرة بوضعها الحالي ' نعم ' أو "حل أمثل" لمن أراد ربح قوت يومه من شباب يكبر مع الضياع لتتلقفه كمبتاعة لكل من لطهارة عرقه باع ، ثم الطامة ألكبري حينما ساندت إسبانيا أزنار أطروحة المرتزقة ، وإسبانيا الإسبانيين تعلم  أن الصحراء الغربية مغربية ولن تكون إلا مغربية أحب من أحب وكره من كره  . كل هذا له علاقة بمدينة تطوان ما دامت أقرب لإسبانيا بحكم الراسخ من الأسباب ، له علاقة باللوبي الذي ظل مدافعا عن ذاك البلد الذي غيبته مصالحه الضيقة عن الأخذ بعين الاعتبار كل ما من شأنه مصافحة الأيادي الممتدة نحوه من الضفة الجنوبية المقابلة للجزيرة الخضراء ، مصافحة انسجام مع الحق والعدالة  والنماء والتخطيط المشترك لفائدة الشعبين المغربي والإسباني الناشدين معا التطور في ظل الاستقرار والسلام ، له علاقة باللوبي من حيث لا تدري اسبانيا  أن سياستها تجاه المغرب سيجعله يتبخر كما سيتبخر أملها في استرجاع ما يمكنها من لعب أي دور نافع في هذه المنطقة من العالم . (يتبع) 

 
  Aujourd'hui sont déjà 19543 visiteurs (29114 hits) Ici!  
 
---------- Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement